فصل: (البروج: الآيات 4- 9)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة البروج:
مكية.
وآياتها 22.
نزلت بعد الشمس.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[البروج: الآيات 1- 3]

{وَالسماء ذاتِ البروج (1) وَالْيوم الموعود (2) وَشاهِدٍ ومشهود (3)}
هي البروج الاثنا عشر، وهي قصور السماء على التشبيه.
وقيل: {البروج} النجوم التي هي منازل القمر.
وقيل: عظام الكواكب. سميت بروجا لظهورها.
وقيل: أبواب السماء {وَالْيوم الموعود} يوم القيامة {وَشاهِدٍ} ومشهود يعنى وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه.
والمراد بالشاهد: من يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود: ما في ذلك اليوم من عجائبه.
وطريق تنكيرهما: إما ما ذكرته في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ} كأنه قيل: وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود. وإما الإبهام في الوصف، كأنه قيل: وشاهد مشهود لا يكتنه وصفهما. وقد اضطربت أقاويل المفسرين فيهما، فقيل: الشاهد والمشهود: محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم القيامة.
وقيل: عيسى. وأمّته لقوله: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شهيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ} وقيل: أمّة محمد، وسائر الأمم: وقيل: يوم التروية، ويوم عرفة.
وقيل: يوم عرفة، ويوم الجمعة.
وقيل. الحجر الأسود، والحجيج.
وقيل: الأيام والليالي، وبنو آدم.
وعن الحسن: ما من يوم إلا وينادى: إنى يوم جديد وإنى على ما يعمل في شهيد، فاغتمنى، فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة: وقيل: الحفظة وبنو آدم.
وقيل: الأنبياء ومحمد عليه السلام.

.[البروج: الآيات 4- 9]

{قتل أَصْحابُ الأخدود (4) النَّارِ ذاتِ الوقود (5) إِذْ هُمْ عليها قعود (6) وَهُمْ على ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شهود (7) وَما نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الحميد (8) الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شهيد (9)}.
فإن قلت: أين جواب القسم؟
قلت: محذوف يدل عليه قوله: {قتل أَصْحابُ الأخدود} كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون، يعنى كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدّمهم: من التعذيب على الإيمان. وإلحاق أنواع الأذى، وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند اللّه بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش، كما قيل: قتل أصحاب الأخدود وقتل: دعاء عليهم، كقوله: {قتل الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ} وقرئ: {قتل}، بالتشديد. و{الأخدود}: الخدّ في الأرض وهو الشق، ونحوهما بناء ومعنى: الخق والأخقوق. ومنه فساخت قوائمه في أخاقيق جرذان.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان لبعض الملوك ساحر، فلما كبر ضمّ إليه غلاما ليعلمه السحر، وكان في طريق الغلام راهب: فسمع منه، فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس. فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان الراهب أحبّ إليك من الساحر فاقتلها، فقتلها، فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص، ويشفى من الأدواء، وعمى جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله فقال: من ردّ عليك بصرك؟ فقال: ربى، فغضب فعذبه. فدل على الغلام فعذبه، فدل على الراهب، فلم يرجع الراهب عن دينه، فقدّ بالمنشار وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته، فدعا فرجب بالقوم، فطاحوا ونجا، فذهب به إلى قرقور فلججوا به ليغرقوه، فدعا فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا ونجا، فقال للملك: لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي وتقول: بسم اللّه رب الغلام، ثم ترميني به. فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقيل للملك. نزل بك ما كنت تحذر، فأمر بأخاديد في أفواه السكك وأو قدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبى فتقاعست أن تقع فيها، فقال الصبى: يا أماه، اصبري فإنك على الحق، فاقتحمت. وقيل: قال لها قعى ولا تنافقى. وقيل: قال لها ما هي إلا غميضة فصبرت».
وعن علي رضي اللّه عنه: أنهم حين اختلفوا في أحكام المجوس قال: هم أهل كتاب وكانوا متمسكين بكتابهم، وكانت الخمر قد أحلت لهم، فتناولها بعض ملوكهم فسكر، فوقع على أخته فلما صحا ندم وطلب المخرج، فقالت له: المخرج أن تخطب الناس فتقول: يا أيها الناس، إنّ اللّه أحل نكاح الأخوات، ثم تخطبهم بعد ذلك فتقول: إن اللّه حرّمه، فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له: ابسط فيهم السوط، فلم يقبلوا، فقالت له: ابسط فيهم السيف، فلم يقبلوا، فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها، فهم الذين أرادهم اللّه بقوله قتل أَصْحابُ الأخدود وقيل: وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى عليه السلام، فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا، فأحرق منهم اثنى عشر ألفا في الأخاديد. وقيل: سبعين ألفا، وذكر أنّ طول الأخدود: أربعون ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء» {النَّارِ} بدل اشتمال من {الأخدود} {ذاتِ الوقود} وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس، وقرئ: {الوقود}، بالضم {إِذْ} ظرف لـ: {قتل}، أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها. ومعنى {عليها} على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كقوله:
وبات على النّار النّدى والمحلّق

وكما تقول: مرت عليه، تريد: مستعليا لمكان يدنو منه، ومعنى شهادتهم على إحراق المؤمنين: أنهم وكلوا بذلك وجعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أنّ أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب. ويجوز أن يراد: أنهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، يؤدّون شهادتهم يوم القيامة {يوم تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}.
{وَما نَقَمُواْ مِنْهُمْ} وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان، كقوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

قال ابن الرقيات:
ما نَقَمُواْ من بنى أميّة إلّا ** أنّهم يحلمون إن غضبوا

ويجوز أن الأول لهم، والثاني: الناقمين. وفيه استتباع المدح بما يشبه الذم للمبالغة في المدح، حيث جعل الحلم عند الغضب ذما، مع أنه غاية في المدح. ويروى ما نقم الناس، وعليها فالصواب إسقاط (بين) لأجل الوزن.
وقرأ أبو حيوة: {نَقَمُواْ}، بالكسر، والفصيح: هو الفتح. وذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به ويعبد، وهو كونه عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه حميدا منعما. يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقديرا، لأن {ما نَقَمُواْ مِنْهُمْ} هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغىّ، وإن الناقمين أهل لانتقام اللّه منهم بعذاب لا يعدله عذاب {وَاللَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شهيد} وعيد لهم، يعنى أنه علم ما فعلوا، وهو مجازيهم عليه.

.[البروج: الآيات 10- 11]

{إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عذاب الحريق (10) إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الكبير (11)}.
ويجوز أن يريد بالذين فتنوا: أصحاب الأخدود خاصة، وبالذين آمنوا: المطروحين في الأخدود. ومعنى فتنوهم: عذبوهم بالنار وأحرقوهم {فَلَهُمْ في الآخرة عذاب جَهَنَّمَ} بكفرهم {وَلَهُمْ عذاب الحريق} وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق بإحراقهم المؤمنين. أو لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا، لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم. ويجوز أن يريد: الذين فتنوا المؤمنين، أى: بلوهم بالأذى على العموم، والمؤمنين: المفتونين، وأن للفاتنين عذابين في الآخرة: لكفرهم، ولفتنتهم.

.[البروج: الآيات 12- 16]

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويعيد (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الودود (14) ذُو العرش المجيد (15) فَعَّالٌ لما يريد (16)}.
البطش: الأخذ بالعنف، فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم: وهو بطشه بالجبابرة والظلمة، وأخذهم بالعذاب والانتقام {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويعيد} أي يبدئ البطش ويعيده، يعنى: يبطش بهم في الدنيا وفي الآخرة. أو دل باقتداره على الإبداء والإعادة على شدة بطشه.
وأوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الإبداء وكذبوا بالإعادة.
وقرئ: يبدأ {الودود} الفاعل بأهل طاعته ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا.
وقرئ: {ذي العرش}، صفة لـ: {ربك}. وقرئ: {المجيد}، بالجر صفة لـ: {العرش}. ومجد اللّه: عظمته.
ومجد العرش: علوه وعظمته {فَعَّالٌ} خبر مبتدأ محذوف. وإنما قيل: فعال، لأنّ ما يريد ويفعل في غاية الكثرة.

.[البروج: الآيات 17- 22]

{هَلْ أَتاكَ حديث الجنود (17) فِرْعَوْنَ وثمود (18) بَلِ الَّذينَ كَفَرُوا في تكذيب (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ محيط (20) بَلْ هُوَ قرآن مجيد (21) فِي لَوْحٍ محفوظ (22)}.
{فِرْعَوْنَ وثمود} بدل من {الجنود}. وأراد بفرعون إياه وآله، كما في قوله: {مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ} والمعنى: قد عرفت تكذيب تلك الجنود الرسل وما نزل بهم لتكذيبهم {بَلِ الَّذينَ كَفَرُوا} من قومك {في تكذيب} أىّ: تكذيب واستيجاب للعذاب، واللّه عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه. والاحاطة بهم من ورائهم: مثل لأنهم لا يفوتونه، كما لا يفوت فائت الشيء المحيط به. ومعنى الاضراب: أن أمرهم أعجب من أمر أولئك، لأنهم سمعوا بقصصهم وبما جرى عليهم، ورأوا آثار هلاكهم ولم يعتبروا، وكذبوا أشد من تكذيبهم {بَلْ هُوَ} أي بل هذا الذي كذبوا به {قرآن مجيد} شريف عالى الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه. وقرئ: {قرآن مجيد}، بالإضافة، أى: قرآن رب مجيد.
وقرأ يحيى بن يعمر: {في لوح}. واللوح: الهواء، يعنى: اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح محفوظ من وصول الشياطين إليه. وقرئ: {محفوظ}، بالرفع صفة الـ: {قرآن}.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة البروج أعطاه اللّه بعدد كل يوم جمعة وكل يوم عرفة يكون في الدنيا عشر حسنات». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {والسماء ذاتِ البروج}
هذا قَسَمٌ، وفي البروج أربعة أقاويل:
أحدها: ذات النجوم، قاله الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني: ذات القصور، قاله ابن عباس.
الثالث: ذات الخلق الحسن، قاله المنهال بن عمرو.
الرابع: ذات المنازل، قاله يحيى بن سلام وهي اثنا عشر برجاً رصدتها العرب والعجم، وهي منازل الشمس والقمر.
{واليوم الموعود} روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه يوم القيامة»، وسمي بذلك لأنهم وعدوا فيه بالجزاء بعد البعث.
{وشاهدٍ ومشهود} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، روى ذلك أبو عرفة، روى ذلك أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن الشاهد يوم النحر، والمشهود يوم عرفة، قاله إبراهيم.
الثالث: أن الشاهد الملائكة، والمشهود الإنسان، قاله سهل بن عبد الله.
الرابع: أن الشاهد الجوارح، والمشهود النفس، وهو محتمل.
الخامس: أن المشهود يوم القيامة.
وفي الشاهد على هذا التأويل خمسة أقاويل:
أحدها: هو الله تعالى، حكاه ابن عيسى.
الثاني: هو آدم عليه السلام، قاله مجاهد.
الثالث: هو عيسى ابن مريم، رواه ابن أبي نجيح.
الرابع: هو محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن بن علي وابن عمر وابن الزبير، لقوله تعالى: {فكيفَ إذا جِئْنا من كلِّ أمَّةٍ بشهيد وجئْنَا بِك على هؤلاءِ شهيداً}.
الخامس: هو الإنسان، قاله ابن عباس.
{قتل أصحابُ الأخدود} قال الفراء: هذا جواب القسم، وقال غيره: الجواب {إنّ بَطْشَ ربِّكَ لشديد} والأخدود: الشق العظيم في الأرض، وجمعه أخاديد، ومنه الخد لمجاري الدموع فيه، والمخدّة لأن الخد يوضع عليها، وهي حفائر شقت في الأرض وأوقدت ناراً وألقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر.
واختلف فيهم، فقال على: إنهم من الحبشة، وقال مجاهد: كانوا من أهل نجران، وقال عكرمة كانوا نبطاً، وقال ابن عباس: كانوا من بني إسرائيل، وقال عطية العوفي: هم دانيال وأصحابه، وقال الحسن: هم قوم من أهل اليمن، وقال عبد الرحمن بن الزبير: هم قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين، وقال الضحاك: هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تُبَّع الحميري وكانوا نيفاً وثمانين رجلاً، وحفر لهم أخدوداً أحرقهم فيه، وقال السدي: الأخدود ثلاثة: وأحد بالشام ووأحد بالعراق، ووأحد باليمن.
وفي قوله: {قتل أصحابُ الأخدود} وجهان:
أحدهما: أُهلك المؤمنون.
الثاني: لُعن الكافرون الفاعلون، وقيل إن النار صعدت إليهم وهم شهود عليها فأحرقتهم، فلذلك قوله تعالى: {فلهُم عذاب جهنَّمَ ولهْم عذاب الحريق} يعني في الدنيا.
{وهُمْ على ما يَفْعلونَ بالمؤمنينَ شهود} فيه وجهان:
أحدهما: أن أصحاب الأخدود هم على عذاب المؤمنين فيها شهود، وهو ظاهر من قول قتادة.
الثاني: أنهم شهود على المؤمنين بالضلال، قاله مقاتل.
{إنه هو يبدئ ويعيد} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يحيى ويميت، قاله ابن زيد.
الثاني: يميت ثم يحيى، قاله السدي.
الثالث: يخلق ثم يبعث، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: يبدئ العذاب ويعيده، قاله ابن عباس.
ويحتمل خامساً: {يبدئ} ما كلف من أوامره ونواهيه، {ويعيد}ما جزى عليه من ثواب وعقاب.
{وهو الغَفورٌ الودود} في {الغفور} وجهان:
أحدهما: الساتر للعيوب.
الثاني: العافي عن الذنوب.
وفي {الودود} وجهان:
أحدهما: المحب.
الثاني: الرحيم.
وفيه ثالث: حكاه المبرد عن اسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر:
وأرْكبُ في الرّوْع عُريانةً ** ذلول الجناح لقاحاً وَدُوداً

أي لا ولد لها تحن إليه، ويكون معنى الآية أنه يغفر لعباده، وليس ولد يغفر لهم من أجله، ليكون بالمغفرة متفضلاً من غير جزاء.
{ذو العرش المجيد} فيه وجهان:
أحدهما: الكريم، قاله ابن عباس.
الثاني: العالي، ومنه المجد لعلوه وشرفه.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه من صفات الله تعالى، وهو قول من قرأ بالرفع.
الثاني: أنه من صفة {العرش}، وهو قول من قرأ بالكسر.
ويحتمل إن كان صفة لـ: {العرش} وجهاً ثالثاً: أنه المحكم.
{بل هو قرآن مجيد في لَوْحٍ محفوظ} فيه وجهان:
أحدهما: أن اللوح هو المحفوظ عند الله تعالى، وهو تأويل من قرأ بالخفض.
الثاني: أن القرآن هو المحفوظ، وهو تأويل من قرأ بالرفع وفيما هو محفوظ منه وجهان:
أحدهما: من الشياطين.
الثاني: من التغيير والتبديل.
وقال بعض المفسرين: إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه. اهـ.